اليوم الثالث: بعض المشاكل لا حل لها و الواقع لا يُحتمل

“لذلك فإن من واجب الكاتب أن يبين للأطفال أن العالم ليس مكانًا بسيطًا، بل على العكس، بعيد جدًا عن أن يكون كذلك. العالم مكان غني بلا حدود، غريب، مربك، رائع،قاس، غامض، جميل و لغز لا يمكن حله.”

في الطفولة أو طفولتي على الأقل لم أجد من يعلمني عن العالم، العالم الحقيقي، كيف يمكن لوالدين من الأساس أن يجلسوا مع طفل و يخبروه “عزيزي، إن العالم مكان سىء و قد لا تتحقق أحلامك أبدًا، لكن لا بأس إنه حال معظم العالم.” ربما لم يخطر الأمر على بالهم حتى و لا كفكرة عابرة. لذا نستمد معلوماتنا و تخيلاتنا عن المستقبل من الدواخل حولنا، سواء كانت حكايات أو الكارتون أو حتى مواقف الكبار التي فهمناها.

ما تعلمته في طفولتي أنني يمكنني إذا بذلت الجهد الكافي تغيير العالم، يمكنني تحقيق كل أحلامي و خلق الفرص بدلًا من التعثر بها و هو ما لم يحدث. بذلت جهدًا مميتًا في كثير من الأشياء و لم أصل لشىء! رأيت كثير من أصدقائي يبذلون مال و جهد و وقت و طاقتهم كاملة ثم لا شىء و رأيت كذلك من يبذلون جهد و يحصلون على نتيجة مساوية لجهدهم أو أفضل و سمعت كلماتهم و رأيت دموع الفرح في أعينهم و هنئتهم و سعدت لهم. هل هناك قاعدة لنجاح البعض؟ لا، التوفيق فقط من الله و الوقت المناسب و الفرصة المناسبة و النصيب، هل هذا يقلل من عدم الحاصلين على النجاح؟ لا، طالما بذلوا جهدهم فـهم بخير.

لكن هل هم بخير حقًا؟ لا، يتسائلون كثيرًا عن الخطأ و يلومون أنفسهم و يراجعون الخطط و الطرق و يعدلونها ربما الخطأ في هذه الخطوة أو هذه، ربما هي في شخصيتي الانطوائية، ربما هي في لغتي، و الأسباب لا تنتهي، كل سبب يتفجر عن مئات الأسباب كالمجرات

لهذا و لأجل الأسباب التي لا تنتهي أذكر نفسي دائمًا بأن ” لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” و أن هذا السعي هو ما سأحاسب عليه، لكن من لا يؤمن بهذا كيف يتعامل مع الأمر؟ كيف يستمر ببذل الجهد بدون نتيجة؟

في الفصل الثاني من الكتاب يسأل الكاتب “لماذا تكتب للأطفال؟” و أنا لم أسأل نفسي هذا السؤال قبلًا، حددتُ الأهداف و القصة و الشخصيات و لم أضع سبب للكتابة للأطفال، فقط ﻷنني أحبهم؟ صدقًا في هذه الفترة من حياتي و الكثير من التيه لا أعلم لما أتخذ أي قرار أو خطوة، ضباب يخيم على الحياة و أنا أتحسس الطريق، أو ربما يتم دفعي مع التيار

الشهر الماضي في زيارة لابنة خالي و الحديث معها و مع زوجها عن ما أفعله الأن، مال زوجها عليها و قال لها “هي ليه إسراء بتتكلم كأنها مغلوبة على أمرها؟” و أنا لا أعلم يا هشام حقًا لماذا أتخذ كل قراراتي و كأنني مغلوبة على أمري و لو كنت أعلم لأجبتك وقتها حقًا! أليست الحياة بهذه الطريقة للجميع؟ سنضطر في كثير من الأوقات لاختيار الأقل سوءًا من مجموعة خيارات و نختار أن نخرج بأقل الخسائر لكن الخسائر ما زالت موجودة و كبيرة و نتعامل مع الأمور فقط، أو سنفقد شخص عزيز جدًا و لن يخبرنا أحد كيف نتعامل مع الموت و لم يتم تعليمنا في المدرسة هذه المهارة المهمة

أردتُ كتابة قصة لطيفة بدون مشاكل أو صراعات لكن الكتاب يسألني الكثير من الأسئلة و يزرع بي الكثير من الأفكار و إذا وضعت بذرة لفكرة في عقل أحدهم لن تستطيع اقتلاعها

يخبرني الكتاب في الفصل الثاني أنني يجب أن أعلم الطفل أن العالم ليس مكانًا بهذا اللطف، أنه في بعض الأحيان ستخسر الخسارات الفادحة واحدة وراء الأخرى و ستكون وحيدًا لكنه مكان يستحق كذلك و ملىء بالجمال الذي يطغى على هذا

رؤية مشهد جميل واحد أو نجاح صغير ينسيك كل السىء الذي حدث بل الأمر أبسط من ذلك، رؤيتي للاوز و هو يسبح في النيل يوم الجمعة جعل يومي أفضل و ألطف

“الأطفال لهم احتياجات ضخمة، و قد تكون هناك فجوات مدمرة في تعليمهم، في بيئتهم، في تنشئتهم، فليس كل طفل يعيش في عائلة أو بيت سعيد و منظم. و أي طفل مهما كان حظه في الدنيا قد يكون له بعض الاحتياجات التي ستساعد القراءة في اشباعها.”

بعض المشاكل لا حل لها و الواقع لا يُحتمل إلا بالأشياء الصغيرة التي نفعلها و نراها، بالأصدقاء اللطفاء مهما استغرق الوقت لنقابلهم، بأنفسنا عندما نفعل شىء نحبه، بالحشائش و الأزهار الصغيرة التي تنمو بين فراغات الرصيف معلنة عن وجودها و حقها في الحياة و بضحكات الأطفال اللطيفة و هم يستكشفون الحياة يومًا بعد يوم.

3 Replies to “اليوم الثالث: بعض المشاكل لا حل لها و الواقع لا يُحتمل”

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ